اعتاد كبار المفاوضين الأوروبيين منح الدول المعنية بالتفاوض الوقت الكافي لاتخاذ القرارات المناسبة. لكنهم يعرفون جيدا أنه في القضايا النووية يعتبر الوقت عنصرا رئيسيا لتخصيب اليورانيوم وتطوير الأسلحة.
التجارب الصاروخية الإيرانية الأخيرة تبين بوضوح أن طهران ما عادت تكترث للتفاوض وأنها مستعدة لكل الخيارات بعد ان كسبت ما يكفي من الوقت.
تعثر المفاوضات الأخيرة في جنيف ربما يكون بمثابة الإنذار الأخير بفشل جميع الحلول الدبلوماسية الممكنة، لأن طهران ترفض مبدئيا التخلي عن برنامجها النووي برغم العديد من العروض التي عدها البعض "مغرية". لكنها بالنسبة للمفاوضين الإيرانيين كانت "مجرد وعود دون ضمانات ودون معاملة جميع دول المنطقة بالمثل".
يعتقد البعض أن الولايات المتحدة بقيادة أوباما، وعن طريق الحوار، يمكنها إقناع إيران بالتخلي عن طموحها النووي وتجميد أنشطتها. لكن الواقع لا يشير إلى امتلاك واشنطن أوراقا مهمة للعب بها أمام دولة تملك الكثير من الحجج لتجادل. في هذه الأثناء، وبمرور الوقت، تزداد قناعة تل أبيب بأن الجمهورية الإسلامية باتت تملك القنبلة النووية وأن كل تلك المفاوضات كانت مجرد مناورة لكسب الوقت.
إذن فالوقت هو العامل الأساسي في القضية برمتها. وانتظار رئيس أميركي جديد منشغل بملفات العراق وافغانستان قد يمنح طهران المزيد من الوقت. وهذا ما يبرر مطالبات إسرائيل الملحة للمجتمع الدولي بأن تقوم إيران بتجميد أنشطتها بشكل جزئي في المواقع النووية المعلن عنها على الأقل. ومعروف أن المواقع الإيرانية موزعة في مناطق متباعدة في الجمهورية الإسلامية، بعضها معلن عنه فيما تشير معلومات استخبارية إلى وجود عشرات المواقع السرية.
وبالعودة إلى اللاعب الأساسي في الملف النووي الإيراني، نجد الولايات المتحدة منشغلة بالصراع بين المرشحين لقيادة البيت الأبيض من جهة، ونجدها غير مستعدة البتة لفتح جبهة عسكرية وشن هجوم على إيران من جهة ثانية. إسرائيل تراقب عن كثب ما يجري في إيران وتراقب تبادل التصريحات مع الولايات المتحدة لأنها وبكل تأكيد لن تشن وحدها هجوما عسكريا، حتى وإن لوح بذلك بعض القادة العسكريين، وحتى إن أبدى البيت الأبيض بقيادة أوباما نوعا من التهاون في التعامل مع التهديدات الإيرانية.
التاريخ يروي لنا محاولات إسرائيلية عديدة غير فعالة نسبيا لقصف المفاعلات النووية في المنطقة، لكن الموضوع مع طهران، التي وعدت "بمحو إسرائيل من الخريطة"، مختلف تماما لأن إسرائيل نفسها مقتنعة بجدية تلك التهديدات مع تكرار المناورات العسكرية بين حين وآخر.
كما أن المواقع النووية الإيرانية مختلفة تماما عن تلك التي حاولت إسرائيل قصفها في السابق في كل من العراق وسوريا. المفاعلات الإيرانية كثيرة جدا ومنتشرة على مسافات متباعدة، بعضها مدفون تحت الأرض والآخر محصن ضد أي هجمات محتملة، ناهيك عن الخبرة العسكرية الإيرانية والترسانة المتطورة نسبيا.
بالمقابل، فإن السماح لإيران بامتلاك القنبلة سيعني بالضرورة طموحا مشروعا مماثلا لباقي دول المنطقة والعالم. وستمشي الساعة النووية بسرعة قبل أن يدرك العالم أنه قد تغير باتجاه معادلة جديدة للقوى تقوم على حجم القوة النووية، لا على القوة العسكرية أو الاقتصادية التقليدية. وستكون معاهدة حظر الانتشار النووي مجرد بروتوكول شكلي غير ذي قيمة.
المشكلة لا تتوقف عند إيران وإسرائيل والشرق الأوسط غير المستقر أيضا، بل يتعدى الأمر إلى محاولة السيطرة على الدول التي تصدّر التقنية النووية سرا وعلانية مثل الهند والباكستان وحتى كوريا الشمالية. الأكيد أن معاهدة حظر الانتشار النووي لم تعد كافية للحد من انتشار الطموح النووي على الأقل، ويبدو أن كلمات الرئيس الأميركي الأسبق كينيدي قبل سنوات طويلة تستحق اليوم وقفة قصيرة عندما قال: "لو انتشر الطموح النووي بطريقة غير مسيطر عليها، فإن أحدا لن ينعم حينها بالاستقرار".