فنانون من مختلف انحاء العالم يتدفقون على العاصمة الالمانية ليجدوا 'الإلهام' والمعيشة منخفضة التكاليف.
ميدل ايست اونلاين
برلين – من ايريك كيرشبوم
إذا كنت فنانا وتحلم بشحذ مهاراتك بمفردك في حجرة صغيرة أعلى أحد المنازل تشعر فيها بالجوع والبرد لكن بكثير من الالهام فربما لا تكون برلين المدينة المناسبة لك.
الفنانون في برلين لا يتضورون جوعا.
وتدفق الاف الفنانين المبدعين على هذه المدينة الالمانية حيث جذبتهم الايجارات المنخفضة والطعام الرخيص والدعم الحكومي والفرصة لأن يصبحوا جزءا من مجتمع يزخر بالافكار ويعيشون في مدينة هي نفسها لوحة زيتية غير مكتملة.
وحولوا برلين الى معقل للرسامين والممثلين والكتاب وصناع الافلام والموسيقيين والمصممين في القرن الحادي والعشرين.
وقال بونافينتشر س.ب. نديكونغ (31 عاما) وهو فنان وأمين متحف من الكاميرون استقر في برلين منذ عشر سنوات "بها مناخ إبداعي رائع".
وأضاف "المدينة ملهمة فهي متعددة الثقافات ومتنوعة والافضل من كل هذا أن تكاليف (المعيشة) بها منخفضة. ليس عليك سوى أن تبيع اشياء من وقت آخر لتستمر".
فيما مضى تدفق الفنانون على مدن أخرى كانت تكلفة المعيشة بها منخفضة في الاوقات العصيبة اقتصاديا مثل نيويورك في أوائل السبعينات ولندن في أواخر ذلك العقد.
ويحدث هذا الان في برلين حيث لا يدفع رسام مثل فينبار كيليهر من ايرلندا سوى 550 يورو (856 دولارا) شهريا من أجل شقته الفسيحة واستديو كبير في حي برينزلاور بيرج الانيق.
ويقول كيليهر (39 عاما) الذي يجني الان نحو 20 الف يورو سنويا بعد أن كان يعيش في البداية على أقل من نصف هذا المبلغ "لا تملك مالا لكنك تملك قدرا هائلا من الحرية والوقت واذا كنت تريد القيام بعمل ابداعي فان الوقت هو ما تحتاجه".
وتوصلت دراسة لمؤسسة "دي. اي. دبليو." البحثية الاقتصادية الى أن برلين يعيش بها نحو 25 ألف فنان وهم من المانيا واوروبا وايضا من اسيا خاصة الصين واليابان وأميركا الشمالية.
وذكرت المؤسسة أن الكثيرين يعيشون على أقل من عشرة الاف يورو (15570 دولارا) في العام ويبلغ متوسط الدخل السنوي نحو 18 الف يورو (28020 دولار أميركي).
واقتصاد برلين ضعيف وتكلفة المعيشة بها منخفضة لان معدل البطالة مرتفع نسبيا اذ يبلغ حوالي 15 في المئة كما أن استئجار العقارات متاح فضلا عن أن النمو السكاني راكد.
وقال كيليهر "تكون فقيرا لكن تشعر بحرية كبيرة لانك ليست لديك أي مسؤوليات فأنت متحرر من ضغوط الحياة".
لكن الزمرة المنتمية لعالم المبدعين تقول ان الايجارات الرخيصة والتكاليف المنخفضة ليست هي ما تكسب برلين خصوصية.
وقال نديكونغ "ليس هناك ثمن لقيمة تبادل الافكار (...) تستطيع مقابلة الكتاب او الموسيقيين او المصممين في مقهى ليبعث هذا السعادة في نفسك. ستكتشف أمرا جديدا (...) لا يهتم أحد بالمال فهذا أمر ثانوي".
ودمرت المدينة البالغ عدد سكانها 3.4 مليون نسمة في الحرب العالمية الثانية وقسمها سور برلين ابان الحرب الباردة. والبنوك الكبيرة والمؤسسات الصناعية التي جعلت من برلين عاصمة اوروبية يسودها الرخاء خلال الحربين هجرت المدينة المقسمة.
لكن من المفارقات أن هذا الخراب ساعد في خلق مناخ خصب للفنون. وعلى الرغم من ثبات عدد السكان منذ عام 1990 فان هذا الرقم يخفي وراءه تغيرا هائلا اذ انتقل اكثر من 1.7 مليون الى خارج برلين بينما انتقل 1.7 مليون اخرون الى برلين منذ عام 1990.
وقال رئيس بلدية برلين كلاوس فوفيرايت "قد يبدو مثيرا للدهشة للوهلة الاولى أن نحو نصف سكان المدينة جاءوا ورحلوا في الاعوام الخمسة عشر الاخيرة".
"لكن هذا يرجع الى الاعداد الكبيرة التي انتقلت الى ضواح جديدة خارج برلين بعد انهيار سور برلين وانتقال عدد كبير من الناس خاصة من الطلاب والشبان اليها منذ عام 1990".
ويرحب فوفيرايت بالفنانين، وساعد في جذب شركات الافلام والموسيقى للعاصمة الالمانية منذ توليه منصبه عام 2001.
وبرلين التي تسعى جاهدة لتجنب الافلاس ويساورها القلق لان ديونها تبلغ 60 مليار يورو فقيرة بحق. لكن الفنانين تجذبهم ايضا حقيقة أنها "لوحة خالية" او عمل لم يكتمل بعد.
وقال فوفيرايت "من المؤكد أن برلين ليست مدينة غنية لكنها تملك ثروة من الامكانيات".
وتوجد بالمدينة ثلاث جامعات مجانية بها 120 الف طالب اضافة الى الكثير من الكليات الصغيرة لتعليم الفنون السينمائية والمسرحية فضلا عن مهرجان سينمائي كبير الى جانب المسارح وثمانية فرق اوركسترا وثلاثة دور للاوبرا ومئات المعارض الفنية.
وتدعم السلطات الاتحادية دور الاوبرا والمسارح وفرق الاوركسترا كما تعرض ايضا سداد نصف مساهمات الفنانين في الضمان الاجتماعي.
ومن بين السكان 500 الف أجنبي من 180 دولة وهناك عشرات الفرق المسرحية الاجنبية.
اليستر نون شاعر بريطاني انتقل الى برلين عام 1993.
ويقول نون "لو كنت أعيش في لندن لما استطعت أن أمضي كل هذا الوقت في أنشطتي الفنية. في برلين يسهل ايجاد وقت للكتابة لانني لا أقلق بشأن المال".